الحديدة و “معاهدة الطائف” .. هل تتكرر المقايضة؟
يمنات
فايز الأشول
بذريعة نصرة الأدارسة أوقف عبدالعزيز آل سعود، مفاوضات أبها بشأن نجران مع الإمام يحيى حميد الدين، ووجّه جيوشه لاحتلال عسير وجيزان وتهامة؛ لتصل قواته بقيادة نجله فيصل في مايو من العام 1934 إلى قلعة الطائف في منطقة الدريهمي جنوب مدينة الحديدة. وبذريعة إعادة « الشرعية » تقود السعودية حرباً على اليمن منذ مارس من العام 2015، ووصلت القوات المدعومة من «التحالف» في مايو 2018 إلى منطقة الطائف جنوب مدينة الحديدة.
في الأولى وبحسب ما وثقه السياسي الراحل حسن مكي، في مذكراته «أيام وذكريات»: «دمرت قوات الملك عبدالعزيز آل سعود، بيوتنا في صبيا بجيزان وفقدنا أراضينا وأملاكنا، فانتقلنا إلى عبس، والوالد ذهب إلى صعدة ليقاتل مع مجاميع الإمام أحمد حميد الدين، الذي كان حينها ولياً للعهد، ومع أن الجيش اليمني كان عبارة عن قوات راجلة، فقد كانت الغلبة له بحكم سيطرته على الجبال. لكن من الناحية الأخرى فقد استطاع الأمير فيصل بن عبدالعزيز أن يجتاح تهامة حتى الوصول إلى الحديدة وبدأ يبعث برسائله وتهديداته إلى المناطق المجاورة وكان الهدف التوجه إلى زبيد.. لكن حينها الإنجليز تدخلوا وقطعوا الإمداد من البحر وتوقفت الحرب.. ثم جاءت اللجنة العربية كوسيط بين الإمام يحيى والملك عبدالعزيز، وتراجعت القوات السعودية إلى ما يعرف بحدود اليوم بين البلدين، وتم وضع معاهدة سميت بمعاهدة الطائف. وكذلك تراجعت القوات اليمنية إلى ما هو حدود اليمن اليوم… وكانت هذه الاتفاقية أو المعاهدة تجدد كل عشرين سنة قمرية».
الكارثة الإنسانية
واليوم ومع وصول القوات المسنودة من «التحالف» الذي تقوده السعودية الى الدريهمي جنوب مدينة الحديدة، يرى الباحث والمحلل الساسي عبدالناصر المودع، أن «الحوثيين لن يتخلوا عن الحديدة بسهولة لأكثر من اعتبار، وسيستخدمون كل وسائل الدفاع المكلفة والخطيرة، أهمها التخندق داخل المناطق الكثيفة السكان، وزرع الألغام، وغيرها من الوسائل. وأن القوى المهاجمة قد تضطر لأن تستخدم وسائل هجوم خطرة ومكلفة، من قبيل الحصار الاقتصادي والأرض المحروقة».
ويؤكد المودع لـ«العربي» بأن «التحالف وفي حال قرر إقتحام مدينة الحديدة فإن ملايين البشر سيضطرون إلى النزوح من مناطق النزاع إلى مناطق أمنه، ولن يكون النزوح هو المشكلة الوحيدة فالخسائر البشرية المتوقعة بين المدنيين ستكون عالية، يضاف لها الدمار للمساكن والبنية التحتية الفقيرة أصلاً، وتعطل مينائي الحديدة والصليف»، وهما الميناءان الرئيسيان لدخول أكثر من 70% من واردات اليمن من الغذاء، وهو ما سيفاقم المشكلة الإنسانية في بقية مناطق اليمن.
وأضاف أن «الكارثة الإنسانية المتوقعة ليس لها تلك القيمة العسكرية والاستراتجية، التي يتم الترويج لها، فالسيطرة على الساحل الغربي لن تقلل من حدة الحرب، ولن تعجل بنهايتها، والعكس هو الصحيح؛ فعزل الحوثيين في الجبال، بعد السيطرة على المنطقة السهلية في تهامة، لن يجعل الحوثيين يستسلموا، بل أنها ستمنحهم أدوات جديدة لتوسيع رقعة الحرب وإطالة أمدها، فدحرهم إلى الجبال سيوفر لهم مناطق دفاعية حصينة تسهل لهم القيام بحرب استنزاف واسعة».
مصيدة استنزاف
إلى جانب الكارثة الإنسانية التي حذر منها المودع؛ فإن الصحفي المصري المعروف مكرم محمد أحمد، يذكّر السعودية بتجربة المصريين العميقة والطويلة في اليمن في ستينيات القرن الماضي. وكتب مكرم في مقال له بصحيفة «الأهرام» أن «الحرب الدائرة في اليمن هي في الأغلب شرك استنزاف يصعب معها انجاز حسم عسكري يمكّن أياً من الأطراف المتقاتلة من تحقيق نصر نهائي، وغالباً ما تنتهي الحرب بقبول كل الأطراف لحل وسط، وهذا عين ماحدث خلال وجود القوات المصرية في اليمن وتعرفه المملكة العربية السعودية على نحو مفصل عندما ذهب عبدالناصر إلى جدة ينشد حلاً وسطاً مع السعودية للمشكلة اليمنية».
وتساءل مكرم «لست أعرف على وجه التحديد، من له حق العتاب على شقيقه؟ السعوديون الذين تألموا لأن مصر تمتنع عن المشاركة في الحرب البرية ضد الحوثيين لخبرتها الطويلة بالحرب اليمنية؟ أم المصريون الذين يعتقدون أن من حقهم على أشقائهم السعوديين التشاور المشترك قبل إعلان الحرب على الحوثيين؟ خاصة أن للطرفيين المصري والسعودي تجربة طويلة مشتركة في الحرب اليمنية، تلزمهما معاً ضرورة الدراسة المتأنية لكل أبعادها واحتمالاتها ضماناً لكسبها».
وخلص مكرم إلى أن «الحرب في اليمن شرك خداعي ومصيدة استنزاف وما كان ينبغي على السعودية تكرارها مرة أخرى».
ورقة مقايضة
الاستنزاف في جبهات القتال خلال الثلاث السنوات الماضية يتكرر اليوم في جبهة الساحل الغربي، وتتراجع حدة المواجهات بين القوات المدعومة من «التحالف» من جهة و«أنصارالله» من الجهة الثانية في مديرية الدريهمي القريبة من مطار الحديدة، ويرجع الكاتب والمحلل السياسي عبدالباري طاهر، السبب في ذلك إلى ضغوط دولية ورغبة سعودية باستغلال التلويح باقتحام الحديدة للوصول إلى حل يخرجها من المستنقع اليمني.
وعن إمكانية التوصل إلى تسوية شبيهة بـ«معاهدة الطائف 1934»، قال طاهر لـ«العربي» إن «وصلت الحرب في اليمن إلى مرحلة شبيهة بحرب الثلاثينيات من القرن الماضي بين اليمن والسعودية، وما تم تسريبه من خارطة التسوية التي يعتزم المبعوث الأممي تقديمها إلى مجلس الأمن خلال يونيو الحالي، تكشف بأن إبعاد شبح الحرب عن مدينة الحديدة ووقف الهجوم على مينائها هو ورقة الضغط على أنصار الله للقبول بخطة التسوية الجديدة».
وأضاف أنه «مثلما انسحبت القوات السعودية من الحديدة في العام 1934 مقابل فرض سيطرتها على نجران وجيزان وعسير؛ فإن الخطة الأممية تقوم على وقف العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية مقابل وقف إطلاق الصواريخ الباليستية من اليمن وانسحاب مقاتلي أنصار الله من المناطق التي يسيطرون عليها في نجران وجيزان وعسير».
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.